اوتزتال: وادي السحر والغموض في التيرول!
صلاح سليمان
من ميونيخ إلى إنسبروك في القطار المتجه إلى فيرونا في إيطاليا، قضينا قرابة الساعة ونصف حتى وصلنا إلى محطة إنسبروك ، ومنها إلى" اوتزتال "أي وادي "أوتز" في رحلة قصيرة لم تزيد عن 40 دقيقة في القطار المتجه إلى جينيف.
تتوالى المشاهد البديعة من نوافذ القطار، وكان القاسم المشترك فيها طوال الرحلة هو المروج الخضراء وقمم الجبال الشاهقة حتى محطة الوصول الأخيرة الأنيقة الجميلة في اوتزتال.
من تلك المحطة يمكن أخذ الحافلة إلى الفندق في وسط الوادي، وهو مصنف علي أنه واحد من أروع الأودية في التيرول، ففي سفح الوادي تتراص القرى السياحية والفنادق الجميلة بين قمم تحتضنها من الناحيتين، ومن أهم قرى الوادي هي أوتز ، وولدون ، وامهاوسن، وزويسلتين، ولا نجينفيلد ـ وكلها تشكل نقاط سياحية غاية في الجمال والجاذبية.
لا توجد صناعات في الوادي إنما كلها فنادق، ومطاعم، وأماكن استجمام... فهناك أكثر من 1200 فندق وبيت ضيافة كلها أو أغلبها تحتوي علي أماكن للراحة والاستجمام والعناية بالصحة والتجميل، لهذا فإن التجول في الوادي علي طول امتداده 65 كيلو متر، لا يجعل الملل يتسرب إلى النفس، فهناك 250 قمة جبلية تحيط به، أعلاها تصل إلى 3000 متر، مما يجعل المكان وجهة مثالية لمحبي رياضة المشي في الجبال، وتجعل كل ما نراه يمنح النفس السرور والسكينة والعافية
.
تغطي مساحة الوادي 140 كم مربع، وتعتبر منطقة الوسط هي الجزء الأوسع فيه، وأكثرها مروج خضراء، تمتد على مساحة 20 كم، فيما يرتفع قاع الوادي عن سطح البحر ب 1200 م ويضم أكبر منطقة جبلية في جبال الألب الشرقية.
في الفندق الأنيق كانت الإقامة مريحة، فالفندق يقدم وجبات العشاء المسائية بشكل رائع، ولديهم قائمة من الطعام الجيد المحلي، وغالبا في منطقة التيرول كل المطاعم تعتمد على مصادرها الخاصة في الطعام ، أي مثلا كل اللحوم والخضروات تأتي من نفس البيئة التيرولية ونفس المنطقة الجبلية حتى يضمنوا جودته العالية، وهم يفتخرون بتدوين تلك الملحوظة في قوائم الطعام لديهم .
تعتبر السياحة والزراعة هما المصدر الأول للدخل هنا، وتقول: "جلوريا شولتز" من دائرة السياحة في الوادي "أن أكثر السياح ياتون إلينا من ألمانيا ومن هولندا وبلجيكا والمملكة المتحدة"، وقالت إنها ترحب بالسياحة العربية، فالمنتجعات هنا عديدة ويمكن للأسر مجتمعة قضاء الإجازة معا خاصة في الصيف، أما في فصل الشتاء فإن المنتجعات تمتلئ بمحبي رياضة التزلج علي الجليد خاصة في الجزء العلوي من الوادي في هوخ زولدن، وهوخ جورجل ".
ليس هناك ثمة صعوبة في الوصول إلى الوادي من كل الأقطار الأوربية، فيمكن عن طريق الحافلات من مطارات إنسبروك ، وميونيخ، وسالزبورج الوصول إلى منتجعات الوادي .
خدمات عديدة تقدمها إدارة السياحة في الوادي فهي تقدم مثلا في الصيف ما يطلق عليه" كارت الصيف "ويمكن شرائه من أونلاين وتفعيله كذلك، وهو يتيح للزائر دخول المتاحف وتقريبا كل الأماكن والحافلات وتأجير الدرجات والصعود بالتليفريك إلى قمم الجبال.
الألعاب المائية في هذا الوادي ليس لها مثيل في أي منطقة أخرى ومن أشهرها "الأكوا دوم" التي بها العديد من أحواض السباحة المفتوحة والتي تستقبل مياهها من الجبال العالية التي تصب فيها مباشرة بعد أن تمر علي العديد من الصخور وهي في طريقها للهبوط من ارتفاع 3000 متر، فتختلط مع المياه الباطنية الكبريتية ليتشكل منها مياه معدنية حارة تضمن للسائح قضاء وقت لاينسسي من الاسترخاء والعناية والعلاج أيضا.
يشتهر الوادي كذلك برياضة "الرافتنج" ويأتي عشاق هذه الرياضة من كل أوربا لممارستها هنا، ورياضة الرافتنج هي من أهم الرياضات، ويمكن للسائح الحجز في أحد القوارب في التاسعة صباحا، وهي تجري في نهر وادي أوتز ونهر إن (Inn)، والممر النهري في مدينة أمست، وهو هادئ نوعا ما، ومدة هذه الرياضة تصل إلى 3 ساعات تقريبا.
أحد أكثر الأماكن المائية شهرة أيضا هو منتجع (Area 47)، وهو مشيد حديثا، وهذا الموسم الصيفي هو الثاني له، وهو يقع في أول بداية الوادي في أوتز، ومساحته تبلغ 700 ألف قدم مربع، وهو يضم العديد من مساحات الألعاب غير المغطاة والتي تجري في الهواء الطلق، وبه العديد من الألعاب المائية المبتكرة التي تسعد الصغار والكبار علي حد سواء، هو أيضا مشيد في منطقة رائعة تحيطها الجبال من كل جانب، وهو مقسم إلى 47 منطقة بعضها مائي وبعضها الآخر خارجي، يحتوي المنتجع أيضا شاليهات سكنية للنزلاء الذين يرغبون قضاء الإجازة فيه، وهو مزود بصالة ضخمة لتناول الطعام، مع إمكانية الاختيار بين الأطباق المحلية والعالمية.
ايضا في هذا المنتجع سيتعرف الزائر على نوع جديد من الألعاب المائية لم يألفه الناس من قبل، وهو يحتاج شجاعة وجرأة واقدام من قبل، حيث يمكن القفز من مناطق عالية وهو ممسك باالحبال او القفز في الماء، او التزحلق عبر المنحدرات المائية، أو المشي فوق الحبل المطاطي الذي يعبر البحيرة.
من اجمل مشاهد الوادي ايضا هو شلال Stuibenfall والمسافة اليه مشيا علي الاقدام من قرية اوتز تأحذ حوالي الساعة والنصف وسط مشاهد جبلية رائعه الجمال، الشلال مصنف علي أنه اعلي شلال في التيرول، مياهه تدفق من علي ارتفاع 159 مت، ويمكن الوصول الي قمة الشلال عبر جسر صناعي معدني، يتيح فرصة جيدة الي رؤية بناورما المكان من فوق ومن ثم التمتع بالتضاريس الخلابة من فوق.
لا يمكن زيارة الوادي دون المرور ببحيرة "بيبورجر زيي" وهي من اهم بحيرات التيرول، مصنفة كادفء بحيرة في النمسا كلها، ويمكن السباحة والصيد فيها، كما ان هناك استراحات علي شواطئها، يمكن للزائر ان يتناول فيها المشروبات او الطعام، وسط اجواء ساحرة، والبحيرة تنفرد بميزة لا تتوافر في بحيرات اخري ذلك انه تعكس القمم الرائعة لجبال الالب علي صفحتها.
لقد ترك التاريح بصمة كبيرة في ذلك الوادي وزاد من شهرته، فمنذ اكتشاف مومياء رجل الثلح سنة 1991 في قمم جباله الثلجية العالية، ذاعت شهرته في ارجاء المعمورة، وبات قبلة للباحثين عن التاريخ والحضارة، فالمومياء المكتشفه ترجع الي الي 3300 سنة قبل الميلاد، اي اقدم مومياء اكتشفت في اوربا حتي اللحظة، وما اثار ضجة كبري بشانها منذ اكتشافها، انها وجدت بحالة جيدة وطبيعية، فقد استطاع الجليد ان يحفظها كل هذه السنوات حتي اكتشفها زوجان المانيان هما "أيريكا وهلموت سيمون" عن طريق الصدفة اثناء ممارسة رياضة المشي بالقرب من النهر الجليدي شنالس تال.
أطلق النمساويون على المومياء اسم اوتزي، نسبة الي الوادي، وتنازعت حق الاحتفاظ بالمومياء كل من ايطاليا والنمسا لانها وجدت في قمة المنطقة الحدودية بينهما، وانتهي الامر بوضع المومياء في غرفة خاصة درجة حرارتها 6 درجات تحت الصفر في متحف جنوب تيرول في مدينة "بوتزان" الايطالية حيث لاتزيد الرطوبة فيها عن اعن ثمان وتسعين في المئة.
انها رحلة سياحية ثقافية لاتنسي، فالوادي هو احد اجمل وديان الارض، لاشك ان قضاء عدة ايام فيه ستمنح الزائر متعة السياحة والاستجمام والمعرفة، والزيارة مرة واحدة قد لاتكفي، لهذا لا بد من زيارته مرة اخري.